« ولادة مبكرة» قصة قصيرة للكاتبة أميرة عبد العظيم

قصة قصيرة للكاتبة أميرة عبد العظيم
قصة قصيرة للكاتبة أميرة عبد العظيم

تزوجت منذ خمسة أعوام، سافرت مع زوجي إلى الكويت حيث يعمل، مر عام كامل على زواجنا ولم أنجب طفلا، نبتت بذور القلق في قلوبنا، بدأنا برحلات متتالية على الأطباء في محاولة لمعرفة السبب في عدم الإنجاب، وبدأت معنا رحلة طويلة من العلاج، الحمد لله بعد أربع سنوات استجاب الله لدعائي حيث أبلغني الطبيب بأنني حامل.

 

 سعادة بالغة أنارت قلوبنا .. بعد سنين من الاشتياق والتضرع إلى الله، فى الشهور الأولى  كنت أحافظ كثيرا وأتلمس حركتي بدقة متناهية وفقا لتعليمات الطبيب، مرت الشهور سريعاً ودخلت فى شهري السابع، قرر زوجى العودة إلى فلسطين، ليولد الطفل فى أرض أجداده ونكون وسط أهلنا وعشيرتنا، فرحت لهذا القرار، وبسؤال الطبيب أبدى الموافقة وسعد معنا بهذا القرار.

 

بدأنا التجهيز للسفر وشراء الهدايا للأهل، سافرنا إلى بلد الأجداد والأحباب، وصلنا غزة  (غرة) شهر أكتوبر، يستيقظ الجميع مهللين فرحا بوصولنا، فرحت أمي كثيرا برؤيتي وأنا حامل.

صبيحة يوم السبت السابع من أكتوبر نستيقظ على ضجيج ومفرقعات وأصوات رصاص، طائرات العدو الغاشم تطلق علينا الصواريخ، يتغير شكل الحياة، بيوت تتهدم، جثث هنا وهناك، لا تجد من يدفنها، لا تكاد تحزن على وفاة قريب حتى تسمع وفاة أسرة أقرب لك بأكملها، أصبح السؤال لدينا عن من مازال حيا حتى الآن.

وتيرة الحرب في ازدياد مستمر، الضرب من الجو والبحر والأرض، يأتينا الموت من كل مكان، شهداء لا يجدون مدفنا، وجرحى لا تتسع لهم المستشفيات، ملأ الخوف قلوبنا على الجنين، قررنا الخروج من المنزل واللجوء إلى مخيم يتوفر فيه بعض الأمن، خرجنا جميعاً من المكان، حالتي الصحية تتدهور شيئا فشيئا نتيجة الضغط الذي نعيشه، كنا نركض من هول الصواريخ التى تمطر علينا، سقطت على الأرض مغشياً علىّ، فاجئني ألم المخاض، اشتدت المعاناة أكثر فأكثر، حاول زوجي طلب سيارة الإسعاف لكن الاتصالات مقطوعة، حملني  مسرعاً إلى المستشفى في سيارة لأحد الموجودين في المكان، الطبيب يقول ولادة مبكرة، طلب من التمريض فتح غرفة العناية الفائقة سريعا، ساروا بي وسط كم هائل من الجرحى المتناثرين في كل أرجاء المستشفى، دخلت العمليات لا يوجد مخدر، اضطر الطبيب لإجراء عملية الولادة القيصرية بدون تخدير، الألم لا يمكن وصفه، صراخي كان أعلى من صوت الانفجارات التي كانت على مقربة منا، دوى صوت طفلي الذي رجوته على مدار أعوام قبل ميعاد ولادته بشهر، فنسيت معه الإحساس بالألم، عاودني الصراخ مرة أخرى حين أخبرني الطبيب أن حالة مولودي في خطر، المستشفى محاصر، والإمكانيات محدودة للغاية.

  قرر الطبيب وضعه فوراً في الحضانة، حمله أبوه بين ذراعيه واحتضنه بقوة ليشعره بالدفء والطمأنينة، صوت الضربات والطلقات النارية تحاصرنا من كل جانب .

لم يجد حضانة فارغة، ذهب به للمكان المخصص للأطفال الخدج بالمستشفى بعد أن تم نقلهم من الحضانات المخصصة لكل طفل على حده، لعدم توفر الطاقة التي تعمل على تشغيل الحضانة، كنت في حالة إعياء تام من أثر الولادة ولا أقوى على الحركة.

 

طلبوا من زوجي بيانات المولود، عاد ليسألني، لم أستطع الرد سريعا، لكن صوت الانفجارات نطق باسمه (طوفان)

يحوطني الألم من كل جانب، ابتعاد طوفان عني زاد ألما فوق آلامي، ارتفع صراخي حين رأيت جنود الاحتلال يقتحمون المستشفى ويجهزون على الجرحى، ويقتلون المرضى في كل الأقسام وحتى الأطفال الخدج، وسط شعارات عالم أصابه الخرس.